صبيحة يوم الاثنين29\8\1966
تم إعدام الأستاذ\ سيد قطب
اخترت لكم من الظلال هذه الكلمات,على أمل أن نتحدث عن شذرات من حياته فيما يستقبل,وأحب أن يشاركني القارئ ببعض اخياراته من سطور لهذا الإنسان الكريم
يقول في الظلال حال تأمله لهذه الآيات
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27)(إبراهيم24-27)
إن الكلمة الطيبة كلمة الحق لكالشجرة الطيبة . ثابتة سامقة مثمرة . . ثابتة لا تزعزعها الأعاصير ، ولا تعصف بها رياح الباطل؛ ولا تقوى عليها معاول الطغيان وإن خيل للبعض أنها معرضة للخطر الماحق في بعض الأحيان
سامقة متعالية ، تطل على الشر والظلم والطغيان من عل وإن خيل إلى البعض أحياناً أن الشر يزحمها في الفضاء
مثمرة لا ينقطع ثمرها ، لأن بذورها تنبت في النفوس المتكاثرة آناً بعد آن . .
وإن الكلمة الخبيثة كلمة الباطل لكالشجرة الخبيثة؛ قد تهيج وتتعالى وتتشابك؛ ويخيل إلى بعض الناس أنها أضخم من الشجرة الطيبة وأقوى
ولكنها تظل نافشة هشة ، وتظل جذورها في التربة قريبة حتى لكأنها على وجه الأرض . . وما هي إلا فترة ثم تجتث من فوق الأرض ، فلا قرار لها ولا بقاء .
ليس هذا وذلك مجرد مثل يضرب ، ولا مجرد عزاء للطيبين وتشجيع . إنما هو الواقع في الحياة ، ولو أبطأ تحققه في بعض الأحيان .
والخير الأصيل لا يموت ولا يذوي مهما زحمه الشر وأخذ عليه الطريق . . والشر كذلك لا يعيش إلا ريثما يستهلك بعض الخير المتلبس به فقلما يوجد الشر خالص وعندما يستهلك ما يلابسه من الخير فلا تبقى فيه منه بقية ، فإنه يتهالك ويتهشم مهما تضخم واستطال .
إن الخير بخير! وإن الشر بشر!
{ ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون } . .
فهي أمثال مصداقها واقع في الأرض ، ولكن الناس كثيراً ما ينسونه في زحمة الحياة .
وفي ظل الشجرة الثابتة ، التي يشارك التعبير في تصوير معنى الثبات وجوه ، فيرسمها : أصلها ثابت مستقر في الأرض ، وفرعها سامق ذاهب في الفضاء على مد البصر ، قائم أمام العين يوحي بالقوة والثبات .
في ظل الشجرة الثابتة مثلاً للكلمة الطيبة : { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة } . .
وفي ظل الشجرة الخبيثة المجتثة من فوق الأرض ما لها من قرار ولا ثبات : { ويضل الله الظالمين } . . فتتناسق ظلال التعبير وظلال المعاني كلها في السياق!
يثبت الله الذين آمنوا في الحياة الدنيا وفي الآخرة بكلمة الإيمان المستقرة في الضمائر ، الثابتة في الفطر ، المثمرة بالعمل الصالح المتجدد الباقي في الحياة . ويثبتهم بكلمات القرآن وكلمات الرسول؛ وبوعده للحق بالنصر في الدنيا ، والفوز في الآخرة . . وكلها كلمات ثابتة صادقة حقة ، لا تتخلف ولا تتفرق بها السبل ، ولا يمس أصحابها قلق ولا حيرة ولا اضطراب .
ويضل الله الظالمين بظلمهم وشركهم ( والظلم يكثر استعماله في السياق القرآني بمعنى الشرك ويغلب ) وبعدهم عن النور الهادي ، واضطرابهم في تيه الظلمات والأوهام والخرافات واتباعهم مناهج وشرائع من الهوى لا من اختيار الله . . يضلهم وفق سنته التي تنتهي بمن يظلم ويعمى عن النور ويخضع للهوى إلى الضلال والتيه والشرود .